كلمة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ في اجتماع الجمعية العمومية التاسع
كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ
المفتى العام للمملكة العربية السعودية
في اجتماع الجمعية العمومية التاسع للجمعية الفقهية السعودية
المنعقد مساء الثلاثاء 14/11/1435هـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن علم الشريعة الإسلامية هو ميراث النبوة وعنوان الرسالة لا فلاح في الدارين إلا به، ولا سبيل للنجاة إلا بالتعلق بسببه ( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ) .
وعلماء الشريعة في الأمة لهم منزلة عظيمة ورتبة كبيرة فهم ورثة الأنبياء ومصابيح الدجى، وضعهم الله أمناء يعلمون الناس شريعة الله ويرفعون عنهم الجهل والظلام، ويبينون لهم طريق الحلال والحرام فآثارهم محمودة وأفعالهم في الناس مشهودة، ويقول النبي- صلى الله عليه وسلم- " إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بنصيب وافر " .
ولعظم قدر أهل العلم ورفيع منزلتهم استشهد الله بهم على أجل مشهود وهو توحيد الله، قال تعالى : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط ) .
فهم أفضل الناس منزلةًً، وعملهم من خير الأعمال ففي الصحيحين عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال:" من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ".
وفي الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال:" الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وعالماً ومتعلماً ".
أيها الأخوة الحضور: إن أمتنا اليوم هي أشد ما تكون في حاجة إلى العلم الصحيح المبني على الكتاب والسنة، وفي أشد ما تكون حاجة إلى العلماء الراسخين الذين يبينون الأمور إذا اختلطت، ويقمعون البدعة إذا ظهرت، ويبينون سبيل الرشاد، ويحذرون من الفتن والشرور.
أيها الإخوة في الله أيها العلماء: إن مجتمعنا المسلم أمانة في أعناقكم، فقوموا بما أوجب الله عليكم من بيان الحق ودفع الشبهات والرد على الغلاة والجهلة الذين يريدون هدم الكيان وتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وتكسير دعائمه.
إن أشد الناس حاجة إلى البيان هم فئة الشباب المتحمس لدين الله والذي يحتاج الاحتواء والتوجيه، فلينوا في أيديهم وافتحوا صدوركم لهم، وبينوا لهم المنهج الصحيح والدين الحق، وأهمية لزوم الجماعة وطاعة ولاة الأمور والرجوع إلى العلماء والأمراء في قضايا الأمة ومصيرها ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ) .
أيها الإخوة الحضور: سمعتم وسمع غيرنا ما تقوم به طائفة من الناس وشرذمة قليلة ممن ضلوا الطريق وتنكبوا السبيل وانحرفت أفكارهم وغسلت أدمعتهم، وأثر على عقولهم فكفروا العلماء والحكام وأجازوا لأنفسهم القتل والترويع واستباحة الدماء باسم الدين ونصرته.
وانساق معهم شباب متحمسون استغل هؤلاء الغلاة حماسهم وحبهم لدينهم فأوردوهم المهالك وضلوا بهم السبيل، ومع الأسف فهم يعتقدون صواب أنفسهم وصحة طريقهم فلعب الشيطان بأفكارهم حتى ظنوا أنهم بفعلهم هذا يصلحون ولا يفسدون، قال تعالى: ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ) .
فالواجب الحذر من هؤلاء والتحذير منهم والوقوف مع ولاة الأمر في دفع شرهم حفظاً لكيان الأمة واستبقاءً لعزها ونصرها، وعلى المسلمين عموماً أن يكونوا يداً واحدة وصفاً واحداً ممن يأتي ليهدم وحدتهم، ويخترق صفهم ويزعزع أمنهم.
إن واجب العلماء واجب كبير وواجب الآباء والأمهات واجب عظيم بحسن التربية ومتابعة أبنائهم إلى أين يذهبون وبمن يختلطون، يقول- صلى الله عليه وسلم- " فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ".
أيها الإخوة الحضور: إن من محاسن هذه البلاد المباركة وفضائلها قيامها بإنشاء الجامعات والكليات ورعايتها ودعمها للجمعيات العلمية والمراكز البحثية والمجامع الفقهية ليلتقي العلماء بعضهم ببعض فيتبادلوا الآراء ويعقدوا اللقاءات والحلقات العلمية وينشروا الأبحاث والكتب النافعة والمفيدة.
وإن من أهم هذه الجمعيات وأنشطها: الجمعية الفقهية السعودية التي صدر قرار جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في 16/8/1421هـ بالموافقة على إنشاءها، وانعقد أول اجتماع للجمعية العمومية لها يوم الأربعاء 25/7/1423هـ، وتم انتخاب أول مجلس إدارة لها.
ومرّ عليها الآن أكثر من اثني عشر سنة والجمعية تواصل نشاطها وعملها، ومر عليها أربع دورات تولى القيام عليها وإدارتها عدد من العلماء والمشايخ على رأسهم فضيلة الدكتور/ إبراهيم البراهيم، وفضيلة الدكتور/ عبد العزيز الرومي، وفضيلة الدكتور/ عبد الله بن عيسى العيسى وفضيلة الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان.
وها نحن اليوم نجتمع لعقد الاجتماع التاسع للجمعية العمومية لاختيار أعضاء مجلس الإدارة في دورته الخامسة.
فالشكر موصول لأصحاب الفضيلة المشائخ الذين تولوا إدارة الجمعية في دوراتها السابقة، والدعاء بالتوفيق والسداد للأعضاء الجدد، وفي الدورة القادمة.
وفي الختام: أتوجه بالشكر لمعالي مدير جامعة الإمام الدكتور/ سليمان بن عبد الله أبا الخيل على جهوده المباركة في إدارة الجامعة وتطورها ودعمه للجمعية وأنشطتها.
وأدعوا الله تعالى لقائد هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وولي ولي عهده على دعمهم للعلم والعلماء ورعايتهم للجامعات والكليات.
وأسأل الله أن يحفظ بلادنا بحفظه ويكلأها برعايته، وأن يحفظها من كيد الكائدين ومكر الماكرين وتربص الحاقدين، وأن يجعلها آمنة وسائر بلاد المسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.